مكانة الأخلاق في الإسلام
- أنها من أهم مقاصد بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم للناس:
قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ} (الجمعة: 2)، فيمتن الله على المؤمنين بأنه أرسل رسوله لتعليمهم القرآن وتزكيتهم، والتزكية بمعنى تطهير القلب من الشرك والأخلاق الرديئة كالغل والحسد وتطهير الأقوال والأفعال من الأخلاق والعادات السيئة، وقد قال عليه الصلاة والسلام بكل وضوح: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" (البيهقي 21301) فأحد أهم أسباب البعثة هو الرقي والسمو بأخلاق الفرد والمجتمع.
- أن الأخلاق جزء وثيق من الإيمان والاعتقاد:
ولما سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم: أي المؤمنين أفضل إيمانا؟ قال صلى الله عليه وسلم: "أحسنهم أخلاقا" (الترمذي 1162، أبو داود 4682).
وقد سمى الله الإيمان براً، فقال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ}(البقرة: 177)، والبر اسم جامع لأنواع الخير من الأخلاق والأقوال والأفعال، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "البر حسن الخلق" (مسلم 2553).
ويظهر الأمر بجلاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" (مسلم 35).
- أن الأخلاق مرتبطة بكل أنواع العبادة:
فلا تجد الله يأمر بعبادة إلا وينبه إلى مقصدها الأخلاقي أو أثرها على النفس والمجتمع، وأمثلة هذا كثيرة، منها:
الصلاة:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (العنكبوت: 45).
الزكاة:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَ} (التوبة: 103)، فمع أن حقيقة الزكاة إحسان للناس ومواساتهم فهي كذلك تهذب النفس وتزكيها من الأخلاق السيئة.
الصيام:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183) فالمقصد هو تقوى الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" (البخاري 1804) فمن لم يؤثر صيامه في نفسه وأخلاقِه مع الناس لم يحقق هدف الصوم.
- الفضائل العظيمة والأجر الكبير الذي أعده الله لحسن الخلق:
والأدلة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنة ومن ذلك:
- أنه أثقل الأعمال الصالحة في الميزان يوم القيامة:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة" (الترمذي 2003).
- أنه أكبر الأسباب لدخول الجنة:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق" (الترمذي 2004، ابن ماجه 4246).
- أن حَسَن الخلق أقرب الناس منزلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة:
كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا" (الترمذي 2018).
- أن منزلته في أعلى الجنة بضمان الرسول صلى الله عليه وسلم وتأكيده:
قال صلى الله عليه وسلم: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه" (أبو داود 4800) ومعنى زعيم أي ضامن.
مزايا الأخلاق في الإسلام:
تتميز الأخلاق في الإسلام بعدد من المزايا والخصائص التي ينفرد بها هذا الدين العظيم ومن ذلك:
- الأخلاق الفاضلة ليست خاصة بنوع من الناس.
فالله خلق الناس أشكالاً وألواناً وبلغات شتى، وجعلهم في ميزان الله سواسية لا فضل لواحد منهم على الآخر إلا بقدر إيمانه وتقواه وصلاحه، كما قال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات: 13).
والأخلاق الحسنة تميز علاقة المسلم بجميع الناس لا فرق بين غني وفقير، أو رفيع أو وضيع، ولا أسود ولا أبيض، ولا عربي ولا عجمي.
الأخلاق مع غير المسلمين:
يأمرنا الله عز وجل بإحسان الخلق مع الجميع، فالعدل والإحسان والرحمة خلق المسلم الذي يتمثله في سلوكه وأقواله مع المسلم والكافر، ويحرص أن يكون ذلك الخلق الحسن هو طريقه لدعوة غير المسلمين لهذا الدين العظيم.
قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الممتحنة: 8).
وإنما حرم الله علينا موالاة الكفار ومحبة ما هم عليه من الكفر والشرك، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الممتحنة: 9).
- الأخلاق الفاضلة ليست خاصة بالإنسان.
الأخلاق مع الحيوانات:
فالرسول صلى الله عليه وسلم يخبرنا عن امرأة دخلت النار بسبب حبسها لهرة فماتت من الجوع، كما يخبرنا في المقابل عن رجل غفر لله له ذنوبه بسبب سقيه لكلب اشتد عليه العطش، قال صلى الله عليه وسلم: "دخلت امرأةٌ النارَ في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض" (البخاري 3140، مسلم 2619).
وقال عليه الصلاة والسلام: "بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له" قالوا: يا رسول الله وإن لنا في هذه البهائم لأجرا؟ فقال: "في كل كبد رطبة أجر" (البخاري 5663، مسلم 2244).
الأخلاق للمحافظة على البيئة:
فيأمرنا الإسلام بعمارة الأرض بمعنى العمل فيها والتطوير والإنتاج وتشييد الحضارة مع المحافظة على هذه النعمة والنهي عن إفسادها والإسراف في استغلال مواردها، سواء أكان ذلك الإفساد يعود على الإنسان أو الحيوان أو النبات، فإنه عمل يرده الإسلام ويبغضه فالله سبحانه لا يحب الفساد في جميع جوانب الحياة، كما قال تعالى: { وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} (البقرة: 205).
ويصل هذا الاهتمام إلى حد أن يوصي النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بفعل الخير وزراعة الأرض حتى في أصعب الظروف وأحرج اللحظات فيقول: "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليفعل" (أحمد 12981).
- الأخلاق الفاضلة في جميع مجالات الحياة:
الأسرة:
يؤكد الإسلام على أهمية الأخلاق في مجال الأسرة بين جميع أفراد العائلة فيقول صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" (الترمذي 3895).
- وكان صلى الله عليه وسلم وهو أفضل البشر يقوم بأعمال المنزل ويساعد أهله في كل صغيرة وكبيرة، كما تروي زوجته عائشة رضي الله عنها فتقول: "كان يكون في مهنة أهله" (البخاري 5048) أي يساعدهم ويقوم بما يقومون به من أعمال البيت.
- وكان يمازح أهله ويلاعبهم، فتروي زوجته عائشة رضي الله عنها فتقول: "خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس: تقدموا، فتقدموا، ثم قال لي: تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: تقدموا، فتقدموا، ثم قال: تعالي حتى أسابقك، فسابقته، فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول: هذه بتلك" (أحمد 26277).
التجارة:
فربما طغى حب المال على الإنسان فتجاوز الحد ووقع في المحرم، فيأتي الإسلام للتأكيد على أهمية ضبط ذلك بالأخلاق الفاضلة، ومن هذه التأكيدات:
- ينهى الإسلام عن التجاوز والظلم في الموازين ويتوعد من فعل ذلك بأشد العقوبات، كما قال تبارك وتعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ •الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ • وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} (المطففين: 1-3).
- يحث على السماحة واللين في البيع والشراء، كما قال صلى الله عليه وسلم: "رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى" (البخاري 1970).
الصناعة:
يؤكد الإسلام على الصُنَّاع عدداً من الأخلاق والمعايير منها:
- إتقان العمل وإخراجه في أحسن صورة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" (أبو يعلى 4386، البيهقي في شعب الإيمان 5313).
- الالتزام بالمواعيد المبرمة مع الناس، قال صلى الله عليه وسلم: "آية المنافق ثلاث" وذكر منها: "وإذا وعد أخلف" (البخاري 33).
- الأخلاق الفاضلة في جميع الحالات:
فلا يوجد في الإسلام استثناءات في باب الأخلاق، والمسلم محكوم بتطبيق شرع الله وامتثال الأخلاق الحسنة حتى في الحروب وأشد الظروف، فنبل الهدف والغاية لا يبرر الوسيلة السيئة ولا يغطي خطأها وضلالها.
ولهذا وضع الإسلام القواعد التي تحكم المسلم وتضبط تصرفاته حتى عند العداوة والحرب، حتى لا يكون الأمر خضوعاً لغرائز الغضب والتعصب وإشباعاً لنوازع الحقد والقسوة والأنانية.
من أخلاق الإسلام في الحرب:
- الأمر بالعدل والإنصاف مع الأعداء والنهي عن ظلمهم والاعتداء عليهم:
كما قال تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (المائدة: 8) أي لا يحملكم بغضكم لأعدائكم أن تتجاوزوا وتظلموا بل التزموا بالعدل في أقوالكم وأفعالكم. - النهي عن الغدر والخيانة مع الأعداء:
فالغدر والخيانة محرمة حتى مع الأعداء، كما قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} (الأنفال: 58). - النهي عن التعذيب والتمثيل بالجثث:
فيحرم التمثيل بالموتى، كما قال صلى الله عليه وسلم: "ولا تمثلوا" (مسلم 1731). - النهي عن قتل المدنيين الذي لا يشاركون في الحروب وعن إفساد الأرض والبيئة:
وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه خليفة المسلمين وأفضل الصحابة يوصي أسامة بن زيد حين بعثه قائداً لجيش إلى الشام: "..لا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً وتحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة، ولا بقرة، ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له" (ابن عساكر 2/50).